وأفادت وكالة مهر للأنباء أنه وفي أوائل السبعينيات وخلال احتدام حرب أكتوبر عام 1973 شهد الاقتصاد العالمي أزمة عقب ارتفاع سعر النفط. حيث ظهرت أزمة اقتصادية جديدة لم تكن معروفة بناء على ما هو معهود على مستوى الأزمات الدورية، وتتجسد جدة هذه الأزمة في اقتران التضخم بالبطالة. وهو اقتران نادر الحدوث في تاريخ الاقتصاد الرأسمالي، ولم يسبق أن تمت مواجهته بالثقل الذي ظهر به.وفي هذا الظرف الدقيق والحرج كان لابد من انطلاق مراجعة نقدية للنظرية الكينزية، وقد برزت رؤى اقتصادية عملت على بلورة إطار نظري مغاير للإطار النظري الكينزي، حيث زعمت هذه الرؤى أن سبب الأزمة لا يكمن فقط في ارتفاع سعر النفط، بل في ارتفاع نفقات الدولة على الخدمات العامة التي تقدمها للطبقات الفقيرة والمتوسطة. وكان الحل المقترح هو التقليل من هذه النفقات، والتراجع عن المقاربة الكينزية بالعود إلى المنطق الليبرالي القاضي بوجوب إطلاق الفعل الاقتصادي من كل قيد خارجي، واختزال سلطات الدولة بالتقليل من مهماتها ونفوذها، وجعل السوق كينونة مستقلة بذاتها. وهذا الحل تم الاصطلاح على تسميته بالنيوليبراليزم (الليبرالية الجديدة).
ويرى روبرت كوهين، وهو من أشهر المنظرين على صعيد المؤسساتية الليبرالية الحديثة ، أن القوة القيادية المهيمنة للولايات المتحدة قد تضاءلت منذ سبعينيات القرن المنصرم . ويعتقد كون أنه على الرغم من انكماش الهيمنة الأمريكية، إلا أن الأنظمة الدولية التي تم إنشاؤها بعد الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وغات (الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة) ستبقى حاضرة عند أفول الهيمنة الأميركية.
وفي هذا السياق أجرت وكالة مهر للأنباء حوارا مع كبير مستشاري البنك الدولي الأستاذ والباحث في جامعة هارفارد وجامعة جورج واشنطن "غوتام أديكاري" حيث تم تناول ملامح النظام العالمي الحديث من حيث القطبية العالمية وأهم القضايا التي تنعكس في تحديد السياسة الخارجية لأي بلد.
* يعتقد البعض أنه لن تكون هناك قوة هيمنة أخرى في العالم بعد احتمال تضاؤل القوة المهيمنة للولايات المتحدة ذلك بأن القوى الأخرى لا تنوي قبول الهيمنة على الإطلاق ، ما رأيك في هذا القول؟
قد ظهر العديد من القوى المهيمنة عبر التاريخ، وقد واجهت هذه القوى سلسلة من الانتكاسات لاسباب كثيرة - مثل بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفياتي في التاريخ المعاصر. والحقيقة هي أن هيمنة الولايات المتحدة على العالم في المجالات الاقتصادية والعسكرية والثقافية والتقنية - والتي هاجمها الاتحاد السوفييتي خلال العقود الأخيرة - ظلت ثابتة على مدى العقود السبعة الماضية.
وينبغي القول إن الحالة الراهنة للنظام الدولي تختلف عن الماضي، والآن، إذا ما تضاءلت قوة ونفوذ الولايات المتحدة مرة واحدة ، سيكون من الصعب جدا التنبؤ بظهور عالم متعدد الأقطاب متوازن وفعال. وحول ما إذا كانت القوى الناشئة تتقبل حاليا هيمنة الولايات المتحدة ليست بالأمر ذي البال ، الأهم هو أن الولايات المتحدة لا تزال لديها هيمنة في الهيكل الحالي للقوة العالمية ، حتى لو كان ظهور هذه الهيمنة مخيبا للآمال إلى حد ما.
*إذا واجهنا عالما متعدد الأقطاب في المستقبل، كيف سيكون تاثير هذا النوع من النظام على النظام الدولي وهل سنرى عالما أكثر استقرارا في ظل نظام متعدد الأقطاب؟
ان عالما متعدد الأقطاب هو حقيقة قارة حاليا حيث أن قوى مثل الصين والهند قد زادت بشكل مطرد من قوتها وأصبح الاتحاد الأوروبي أقوى من الماضي تحت قيادة ألمانيا وفرنسا . ومع ذلك، فإن أي بلد آخر غير أمريكا سوف لا يكون لديه الاستعداد لقيادة النظام الدولي، على الرغم من أن الصين والهند قد وسعتا نفوذهما خارج الحدود.
* يعتقد البعض أن العالم متعدد الأقطاب سيؤدي الى بروز طوابير غامضة فيما بين الحكومات برايك إلى اي حد هذا القول صحيح؟
إن اصطفافات وتحالفات الدول تختلف كثيرا وبشكل واضح عن التي كانت خلال الحرب الباردة والتي تلتها بعقود. هناك الآن عالم متعدد الأقطاب بمعنى أن العديد من مراكز السلطة ظهرت بالفعل أو تظهر، في حين أن الاصطفافات والتحالفات القديمة الأخرى لم تعد مستقرة كما كان من قبل.
ولكن النظام الدولي هو نظام متعدد الأقطاب ولا يوجد حاليا سوى قوة عظمى واحدة بالمعنى الحقيقي للكلمة وروسيا الآن قوية عسكريا اذ تمتلك قوات وترسانات هائلة ولكن مع ذلك ليست قوة عظمى.
والآن الصين أصبحت أقوى من حيث القوة العسكرية والاقتصادية، وتشعر أنها تتمتع بوجود دولي قوي جدا، ولكن لديها داخليا مؤسسة واحدة تدير البلد، وهو الحزب الشيوعي نفسه. ولذلك، لا يمكن لبلد مثل الصين تقديم حزم الطاقة الناعمة الجذابة إلى بلدان أخرى.
وقد تصبح الصين قوة عظمى في المستقبل البعيد، ولكن هذا لن يحدث على المنظور القريب. ومع ذلك، يمكن اعتبار سكان الصين مع الهند قيمة لفهم التغيرات الديموغرافية في جميع أنحاء العالم وأثرها على سياسات الطاقة.
* إذا كنا نعتقد بوجود عالم متعدد الأقطاب في المستقبل، أي عنصر من عناصر القوة سيكون فعالا على استقطاب العالم، وأي من المؤسسات أو البلدان ستكون أساسا أقطاب النظام؟
بالنظر إلى الرؤى التحليلة الحالية، يمكننا القول أن الآن هناك العديد من الدول تحلم في ان تضحى قطبا على مستوى العالم ، بما في ذلك الصين وأوروبا وتحالف اليابان والهند. وبصرف النظر عن القوة والنفوذ الاقتصادي، فإن تغير الهجرة والاتجاهات الديموغرافية والتوترات الدولية تلعب دورا حاسما في تأثير وقوة معظم البلدان.
وبحلول عام 2025، ستكون الهند أكبر دولة على الأرض، تمتلك أكبر عدد من السكان الشباب،ويعيش 40 في المائة من سكان العالم حاليا في الهند والصين. بينما معدلات النمو السكاني في أوروبا وأمريكا واليابان هي صفر تقريبا وهي تواجه انخفاضا حادا في عدد السكان.
ويعتمد النمو السكاني في هذه البلدان على مستقبل هجرتها الداخلية. ومن ناحية أخرى، يتزايد عدد سكان قارتي أفريقيا وأمريكا اللاتينية بسرعة. ولذلك، فإن بنية القوة العالمية ستتغير على مدى العقود المقبلة.
ولكن الواقع هو أن الولايات المتحدة في الوقت الحاضر هي القوة العظمى الفعالة والتي تستطيع ممارسة الضغوط والتاثير على بلدان العالم وان الحفاظ على مكانتها يعتمد على كيفية ممارسة قيادتها داخل هذا البلد وخارجه في المستقبل المنظور. /انتهى/
المترجم : أحمد عبيات
تعليقك